السبت، 11 فبراير 2012

* بين مَارِي ومَارِيا المَرآيا



غدت مَارِي في فرحة فستانها الأبيض تراقص الأهواء ؛ تحادث النجوم ؛ عن فارس قادم من وراء السحاب ..رن الهاتف : رِنْ رِنْ ...ومن مكالمة وقعت في حلم بفجر جديد ..!
هو : عانق السماء وراح في هذي هيامه يعزف ، أخذ عودٌ مهزوز الأوتار التفتْ حوله أغبرة الزمان 
غنى أغنية " Je l'aime à mourir " للمطرب الفرنسي فْرانْسِيسْ كَابْرَال 
وسافر مع أحلامه ليوم ميعاد : جاء ، إصطفت الجموع وامتلأ الحي عن آخره بالسيارات ،
صالة الضيوف تزينت ، عيون النساء ترقب العريس 
واحدة : الله... وسيم ، 
والأخرى : طويل ...لا يبدو عريض 
ضحكت وقتها "ماري" وبدت عادية مبتسمة ككل البنات ...
تقدم مع أخوين طلب يدها ...أقسم على الرعاية والإهتمام ، ومن ثم رفع القبول زغردت النساء ووزعت الحلوى 
الكل مبتهج الا ماري ! 
ما الذي أصابها لا ندري ؟ ربما لا ترى في الزواج ما تريد أو ترغب أو ،، أو 
و أسئلة كثيرة تتلوهآ زفرات آهآآآآت طويلة ، عميقة !
توجُسْ وانقباض قلب يسامرها فلم تدرك إلا أن الأنفاس في رحيل والجسم متعب .
أخذت تتأمل في المصير وهذا الرجل الغريب القادم من مدينة بعيدة .
تساءلت : هل حقا هذا حلمها ؟
لم تجد رداً أعلنت حالة الطواريء بعقلها وعم المكان ضجيج الأفكار وفوضى الحواس .


استيقظت في الغد الباكر ، رشات عطر ، أحمر شفاه ، ومن ثم باب المنزل لتذهب لعملها وعند فتحها الباب ، رأت السواد أمام المدخل صرخت يا أمي تعالي ، تعالي بسرعة هناك أمر ما !! ما الذي حدث ديك أسود مخنوق وميت لا حراك ، بلطف الأم طلبت من ماري ابعاده ورميه بعيد عن البيت وكأن شيء لم يكن ، ومنها بدأ المحال يركب الأهوال وسافرت ماري مع رياح الموت في اختناق يتلوه اختناق ولم تضهر عليها علمات الفرح بقدوم هذا الزواج الا الأوجاع تتوالى وتتهافت على الفؤاد 
بدت السماء ملبدة لا غيم ولا مطر سواد وعجاج .. قلب موازين اليوم ، تغيرت ملامحها وتأملت ما حولها فقررت التحلي بالصبر ربما الغد أحلى وأشهى متأملةً في رؤية الخطيب والتعرف عليه أكثر عن قريب أوليس هذا الفاتن الأسمر عازف عود قد يسعدها ولو لبعض حين !! 


رن الهاتف من جديد اليوم كما تعلمين يا ماري هي ليلة عيد الأضحى ولابد أن ألتزم بواجباتي وحاولي ان لا تخرجي بالمساء أنا قادم . سارعت البنت نحو كل أرجاء المنزل ترتب وتفرش وتزين ..يآآآه الكل جميل ونظيف وقالت في سرّها : لم يبقَ لي الا الإهتمام بنفسي العريس قادم ، وفي المساء هلت الأنوار وقدم بيده هدية ثمينة وكبيرة أغلب الأشياء عطور !!! لما لا ندري ، ربما هو مهووس بها أو له محل عطور ربما !! كان عطره لها بماركة " Clin d'oeil " كم جميل انتعشت وأحست ببعض الألفة اتجاهه وبعدها بدأ يتبادلا أطراف الحديث ومن ثم أخرج العود وأخذ يعزف لكبار الفنانين من العالم الغربي والشرقي ، راق لها صوته وأخذت شيئا فشيئا تأنس له وترتاح معه ومر الليل بسلام وانسجام تام حتى غادر بنصف الليل ..وعندما رحل تذكرت ماري شيء مهم من العادة أن لا تمر ليلة العيد دون فعله ...!! 


أخذت كل مايلزمها من مواد الحمام من شَامْبُو وجَال دُوشْ " غاسول للجسم " وعطور وبخور وثياب جديدة ومن بينها فستان أسود جلبه العريس في المساء ، دخلت الحمام استحمت بعد منتصف الليل ، وحين هي تغتسل تحسست رائحة نتنة تضرب جهة الأنف وأخذت تتصاعد فلم تهتم حتى أنهت الغسيل وبعدها لبست ثوبها الأسود تجربه وتساءلت : قائلة : ويكأن هذا الرجل قادم اليَّ بريح الحزن ، لما يهديني الأسود وأنا من المفروض خطيبة !! أوليس المفروض لون وردي أو آخر زاهي ؟!! وبعدها أخذت المرآة تحادثها وكأنها صديقتها مسترسلة في سؤال تلو الأخر : حتى انهك جسدها وأصابتها رعشة قلق وفزع لا تدري مصدره ومع كل هذا لم تنسَ الحناء تطيبت ووضعت القليل منها على كف اليدين واتجهت لفراشها بعدما غيرت الديكور والمكان لتنام لكن هل استطاعت ان تغمض الجفون ؟؟!! ..أخذت تحلم بزوج المستقبل وتخطط وترسم أماني وتدبر أحوالها كيف ترسم الإبتسامة على وجه شريك حياتها حتى غفتْ وياليتها ما غفت !! مابين النوم والصحو تسلل لأنفها رائحة أخرى كريهة ، رائحة عفنة وكأنها جيف متراكمة فوق بعضها ، فسارعت وفتحت عينيها بعدما مدت يدها على أرضية المكان ظانةً منها ربما هذه الروائح قادمة من أحذية اخوتها أو أحد جلبَ شيء ما ونسيه لكن سرعان ما تذكرت أنها هي من قامت بالترتيب ومسح الأرضية طيلة النهار لكن المسكينة تمكن منها التعب والركض في التحضير ليوم العيد فداعبها النوم من جديد ، آآآآآآآآاخ لكن أحست بانقباض في الشرايين ووجع مفاجيء ورائحة العفن تعود قوية جدا جدا 
فهمت ان لابد لها ان تنهض وتنير ضوء الغرفة ، ففعلت فوجدت كل المكان مرتب وجميل ولاشيء حتى الرائحة لم يعد لها وجود !! فعاودت النوم في حيرة وقلق من أمرها بعدما أطفأت النور وراحت في نوم عميق وفي حلمها : ما الذي رأته وما الذي أصابها ، ...عجب عجاب !!

تلمست رائحة العفن تقترب منها وكأنها ريح قوية تضرب على جسدها فأخذ نبضها يتدحرج مابين صعود وهبوط ..تارة يقف زغب جلدها وأخرى تتلو أيات من الذكر الحكيم لأن ماري درست في المساجد وحفظت من القرآن ما تيسر لها لكن وهي تتلو تحسست من جسد ضخم اقترب من وجهها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كان عفريت من قبيلة الماردين أخذ يقبلها وحاول أن يثني بيديها وراء ضهرها يريد اغتصابها عنوة لكن أخذت تقاومه بقوة وهي تواصل التلاوة وتعيد وقلبها كاد ان يمزقه الخوف إرباً من هول الموقف وخاصة عندما لآمس وجهه النتن وجهها وأخذت دبابيس لحيته توخزها وخزًا وكأنه أشواك حادة ، حتى سمع صراخها أخوها فأسرع لها وأنار الضوء وفي لمح البصر الكل رحل الا هي ونبضات قلبها تعلو ولهاثها يملأ المكان : جلب لها أخيها كأس ماء وقال مابك لا تاخفي يا ماري هو مجرد حلم مزعج حاولي أن تسترخي ونامي من جديد ..صمتت لبرهة وقالت: لا يا أخي لا تطفئ النور فالتتركه وتوكل انت على الله واذهب لتنام .. بعدها هامت في رحلة سفر طويل ما الذي حدث لها هل حقاً كان حلم ؟؟ وفي قرار نفسها كانت تقول كيف بحلم وأنا كنت مستيقظة في الظلام ، تنهدت وحزنت وتراءى لها المستقبل بثوب الحداد قادم لكن كانت أعصابها قوية وتمالكت أنفاسها ,احتوت مابقي من الزمن وبقيت مكانها حتى أذن فجر الصباح وعندها ...



ماري أصبحت حياتها بطيئة ومملة وماتزال في سجن قصتها لا تعرف كيف تفسر رعب الأحداث وهي في سن لا تعرف من هذا الأمر شيء ولم تدخل الحياة الأسرية بعد ، وانتظرت بفارغ الصبر انتهاء الأذان فسارعت باتجاه المطبخ لتجد كل من والديها جالسين يناقشان أمور زواج ابنتهم وبين أيديهم صينية القهوة والفطور فألقت التحية وجلست حائرة تائهة كيف تبادر في قص ماحدث لها بليلة الأمس المشئوم لكن بادرها الوالد قائلا : مابك ماري ؟؟ لما وجهك شاحب ومصفر؟ ووقتها بدأت الحمى تتسلل لجسدها تدريجياً فأجابت: والدي أنا بالأمس لم أنام ككل البشر وراحت تحكي ما حدث بالتفصيل لهما فتعجبا وهم الوالد بالرد يا ابنتي ممكن انت متعبة أو أكلت شيء ما أثقل معدتك أو أو ...لكن ماري نال منها المرض وأخذت الحمى تتغلغل لجسدها لكن كان العُرف يمنع من النوم يوم العيد لأنه فال تشاؤم ويحبذ البقاء واستقبال الضيوف وخاصة أن زوج المستقبل ذالك الفارس الأسمر قد يأتي بعد صلاة العيد مع أهله لتبادل التهاني أخذت ماري الغصة داخلها وخبئتها طي صدرها علّ الله يزيل من عنده الغمامة وينقشع ضباب الهلع الذي زارها فجأة فقلبها رأساً على عقِب وأدخلها عالم من ذاك المجهول الغريب عن عالم البشر لكن رغم طقطقات الأسنان من الحمى سارعت للباس ثوبها الجديد وتزينت وأخذت تتأمل نفسها بالمرآة وتحدثها طويلا حد أنها نسيت أنها أمام المرآة فراحت تحاكيها وكأنها تتحدث لشخص قد يتحمل معها العبء لكن الحقيقة ماري ينتظرها الكثير وهي تجهل ما نوع هذا المصير الذي وصل بابها وطرق نافذتها لكن الجميل بماري قوتها وحدتها وعنفوانها في التحمل وتماثلت تتأمل جمال قوامها أمام المرآة لكن الحقيقة كان جسدها يهوى للذبول ويخور من وهن المرض ...وبعدها تبخرت وتعطرت واستقبلت الضيوف لأنها الإبنة المدللة وكل الأهل والأقارب يحبونها ولا يمر العيد دون رؤيتها وتهنئتها وأكل الحلوى من يديها وهي كعادتها تستقبلهم بالإبتسام رغم أن ملامح وجهها شاحبة جدا ..وما ان سمعت طرقاً على الباب ارتبكت وذهبت تجري وعند نصف ساحة المنزل وجدت الخال أمامها يبادلها التهاني ويهدهد عن أكتافها كالعادة ويداعبها فإذ به أبصر شيء ما في ذراع ماري ...يا للهول ماذا كان ؟؟ ...

لقد كانت بقع سوداء تنزل من الكتف اتجاه كل الذراع فأخذت ماري تتجمل بالصبر وتتلو القرآن في سرها ولما أعاد الخال يهزهز على رأسها ويسألها من جديد تشجعت وخادعت خالها لأنها كانت تحبه وقالت : وهي تسحب أكمام الفستان لتغطي ما يضهر من ذراعيها يا خال أنا بالأمس سقطت وأنا أقوم بتنظيف المنزل لا عليك مني فتعال تفضل لصالة الضيوف لتشرب شيء ، يا للغرابة مع كل هذا ولا تزال متماسكة وما أن وصل الصالة وأخذ يتبادل التهاني مع باقي الأهل والجيران سارعت ماري لغرفة والدها لتتطلع عن جسدها فإذا بها وجدت البقع تنتشر بسرعة كبيرة في كافة جسدها وبدى على وجهها كذلك السواد وكأن الليل خيم عليه واحتارت وأخذت مقعدا جانبا بوسط الغرفة وجلست منعزلة وحيدة تكلم ذاتها وتواسي جراحها ولم تفهم مع كل هذا وما سببه !! ...وماهي الا دقائق بعد 10:30 صباحاً وصل المرتقب ذاك الرجل والزوج وطرق على الباب ودخل قبل أن يفتح أحد الباب لأنه من العادة لا يغلق الباب حتى الليل لثلاثة أيام العيد فخرجت ماري لإستقباله ولما رآها صرخ في وسط الفناء قائلا : ماري مابك ؟؟ ما الذي حدث ؟؟ ان وجهك متعب جدا وكله سواد وملامحك متغيرة وكأنني أبصر امرأة أخرى لا أعرفها فبادرت بالتحية واستقبلته كما ينبغي وجلست معه في الصالون لدقائق وبعدها هرعت لغرفتها لا تريد رؤيته وهي تبكي حالها وتلعن مصابها وانزوت وحيدة وتركت الخطيب في الصالون مع الرجال ولم تذهب لتكلمه ولا للتعرف عنه أكثر وما اهتمت ولا اكترثت بتواجده لأن الحمى وهنتها وأخذ جسمها يسود حتى انه كاد أن يزرق وبعد وجبة العشاء سأل الأسمر عنها يريد الذهاب للحمام ويتوضأ ليصلي العشاء وأراد أن يجلب له أحد السجاد لكن العجيب أن ماري اختلطت عليها الأمور وتزاحمت عنها الأوجاع والألآم فدخلت مرحلة شبه من الجنون أو اللآوعي ، لكن الزوج أصر على مناداتها وأخذ في الفناء يصرخ وينادي ماري ، ماري أين أنت ؟؟

في حين تعالى النداء في وسط الفناء سارعت الأم نحو غرفة ابنتها فوجدتها في رحلة هوس وجنون بين الحضور والغياب وكأنها بغيبوبة ساعة تضحك والأخرى تبكي فلم تجد ما تفعله الا أنها سارعت الخطى واحتضنت ماري وهي تخفي دمعها وانحنت تقبل جبينها تقول يا ابنتي أكيد انها عين حاسد فالتقومي لزوجك يريدك وهي تكابر والدمعة تكاد تحرق جفونها لأنها لم تشأ أن تثير حزن ماري أكثر مما هي عليه فسافرت تطيب جروحها وتواسيها ببعض الكلمات الدافئة لتحس أنها في أمان ..لكن ماري أصابتها نوبة عنفوان وتحدي داخلها فوقفت وقالت : ان كان هذا قدري فأنا رضيته وان كان مصيري فأنا لا أخشاه سأوافيك يا أمي فالتذهبي إليه وقولي أنني قادمة وبعدها تشجعت وخرجت ذاوية مثقلة الخطى نحو الفناء فإذا بها تجد الأسمر ينتظرها وينظر لها بإستغراب ونادى عليها وقال ماري أريد التحدث اليكِ في مكان نكون لوحدنا أحس بشيء تطلعت ماري لوجهه وقالت وما الغريب أكثر مما أنا فيه وسارا حتى غرفتها ودخل معها وطلب منها مابها وماحال وجهها الشاحب ومصفر ؟؟ 


أحس بشيء غريب لم يعهده وحينها مدد يده على جبينها فأحس أن الحمى تنهش جسدها وهي متعبة حد الهلاك لكنها صابرة على الأذى وهَمَ بقراءة القرأن وهو يشد على جبينها وما هي دقائق معدودات أخذت ماري تقهقه بصوت عالي وأخذ الرجل يقرأ ويكمل حد أصابه التعب ورآى ماري سقطت مغشياً عليها لا يدري هل هي حالة اغماء أم غفوة ومنها للنوم ...جلس قربها يتأملها ويكمل التساؤلات الكثيرة التي تهافتت لمحياه ماسبب كل هذه الهواجس المرعبة فلم يصدق ما يحدث وكأنه يشاهد فيلم رُعب على التلفاز وسهر حتى طلع النهار ..ولما استيقظت ماري بحالة أفضل وزالت الحمى تنفس الصعداء وقال الحمد لله أنني أراكِ يا ماري بحال أفضل وقال :سأغادر لأن العائلة وأسرتي أكيد أنهم في حيرة من أمري ولا تنسي أنه ثاني أيام العيد لابد أن أزور الأقارب وأبادلهم التهنئة ..لكن الغريب أن ماري لمحت على وجهه التعب أكثر لكن قالت ؛ ربما هو من السهر ..وبعدها ركب سيارته ورحل لكن بدت عليه الحمى هو كذلك ويا للأسف ...



مضت أيام العيد وتوالت المساء ات وهي في حيرة وهول ما يحدث وتساءلت هل هذا قضاء وقدر أم هو فكر شيطاني وفبركة قرار ، أخذت تحدث نفسها في المرآة أيصبح المرء بين ليلة وضحاها قبيح الوجه فلا جمال ولا روح ولا حتى خيال الكل سافر في غياهب الشكوك والظنون رحلة بدأت بالسواد توقفت ماري وتأملت فتمتمت قائلة ؛ ماسر الديك الأسود ، والرجل الأسمر ، والفستان الأسود !! 
تعجبت بعدها أخذت شوطاً في الدَنْدَنَة : مايلهم العجز هو جبروت ذاتها على تحمل جلاد الدجى وما هو فاعله تشجعت وواصلت دربها مؤمنة أن هذا لن ينقص من عزمها ولو كلف هذا حياتها ، فقد عمَدَتْ أن تكمل وأن تدرك سر هذا المخلوق الغريب الذي اقتحم أسوارها فجأة ولا سابق علم او أوآن مضت أيام كثيرة وهي في الفاجعة تتململ وتحاكي نفسها لألآف المرات لما هي عن غيرها ؟؟ وربما قد يكون في حالها الكثيرين ؟؟ أجل بل الملايين لأن هذا المخلوق غريب وهو حقيقة مذكورة لكن هُمُ يروننا ونحن لا !!.. نسيت ماري ذلك الزوج الذي دخل كبارقة ضوء حياتها ولم يضهر منذ أيام فأخذ الخوف يساورها قلقاً عليه وشتت فكرها وصرخت دون أن تتفطن لما تقول ..أووووووووووووف لما يحدث معي هذا ؟؟ واقترب ناقوس الخطر يضرب رأسها وبدأت تفكر في المحظور !!

ثورة فجرّت معالمها وسكنت الأشباح غرفتها وغادر دروب حياتها الربيع وتسربل لمحيطها عطش العالمين وسقط من بين وبين صخب الفصول ولا هطول ...جفت الأوراق وانحنت الأشجار وهوت الأماني في جب أحزان ليس له قرار ...بداية لا تبشر بخير لكن ايماناً منها أنه إمتحان من رب العالمين فليس لها مفر ..لا مفر !! ..أخذت تنادم الريح وتكلم الأرجاء تنادي النجوم وتسأل الأفلاك ..ما الخَطْب ؟؟ ومن يفسر لها لكن بقيت في غليانها الداخلي تفكر في صمت من الذي قد يفعل لها سحر وهي لم تأذي يوماً دجاجة وساعة تقول : لا ..لا هذا جنون لا أصدق ربما هو مصاب وأخذت تكذِّب ما يقوله لها وسواس العقل ولفها الحزن والحياء من نفسها وأمام أهل زوجها كيف تدبر مسالك الطريق الأبِقْ ..ولما وجدت المدة طالت ,,,بعثت الهاتف لتطمئن عن هذا الغريب " الخطيب " كلمها وقال : أنه بخير لكن هي مشاغل الحياة والعمل من فرضت عليه عدم الحضور لرؤيتها ، تكلمت معه لبرهة وبعدها ودعته وهي ترتعد واغرورقت عيناها في الدموع تنازع وحدتها وحرّى أفكارها : هل يعقل أنها امرأة تبشر بقدوم النحس والشر عليه ؟؟ لسنا ندري ربما بين الحقيقة والخيال خيط رفيع قد يفصل المسافات وقد يقربها فتلتحم .

وفي أحد الأيام وبينما هي شاردة أمام باب المنزل فاذا بها تبصر سيارة خطيبها قادمة ففرحت وقالت : كنت أظنه رحل ولن يعود وأخذ عني فكرة سيئة في رأسه تسود لكن ولله المنّة والحمد لقد عاد وبخير : اقترب منها بعدما ركن سيارته جانباً وأخذ يحدثها عن أخباره ويطلب منها أن تعذر قصوره وأن تكون بلسماً لجروحه لأنه يعاني المر في عمله وليس له حل لابد أن يعمل ليوفر لذاته الإحترام قبل الراتب الشهري وقال : ياماري لا أخفيك سراً من يوم العيد الماضي وأنا أرتعد داخل أشلائي لا أعرف كيف أسير ولا من يقودني أنا أم سيارتي !!أمور تحدث معي غريبة لا يصدقها عالم ولا يستغربها جاهل الكل من حولي مبهم .. مشاكل بالعمل وأمور كثيرة آآآآآاه يا ماري لقد تذكرت يوم العيد وما أصابك كلما تذكرت وقف شعر رأسي وأصابتني القشعريرة وأشعر بالغثيان والتقزز ، قاطعته قائلة : مابك أوليس قلت أنك بخير ؟؟ أجل أجل أنا بخير لكن تعمدت أن لا أكلمك الا وأنا معك تخيلي يا ماري يوم أن قمت عندكم لأتوضأ وأصلي العشاء فإذا بالحنفية لا تقطر ماءً بل هو كان دم في باديء الأمر استغربت لكن بعدها انتابني شعور بالقلق وهذا ما أدى بالخوف عليك وهممت بمناداتك يومها ..لست أدري لماذا أحسست وأنك في خطر ، استغربت ماري وألم بها وجع مفاجيء وأحست بالقيء ودُوار ، واصل الحديث وقال : هل تعلمي يا ماري أنك أصبت ليلة العيد بمَسْ والعياذ بالله ولقد سهرت وقرأت ماتيسر لي لكن عندما غادرت كان هذا الوحش والمخلوق الغريب قد خرج من جسدك ليدخل جسدي معاتبا لي ومنتقماً !! كيف لي لم أتركه بجسدك ؟! دارت بها الدنيا ولم تعرف ما الذي يحاك بفعل فاعل او بغير ذلك أصابها الإحباط وبقيت تصارع سحائب الفوضي والغوغاء الكبيرة التي دجت بمحياهما ، لكن الأسمر لم يأتي للحديث عن هذا فقط بل طلب من ماري ...



تحديد موعد الزواج المدني بما أنهما متفقين ومنسجمين مبدئياً وتمت بالفعل بأحد أيام وذهب كل منهما ومعه ولي أمره وشهود الزواج ورجعا للمنزل فرحين مع دفتر صغير الذي ربط اسميهما معا في علاقة شرعية وشراكة في حياة زوجية تنتظرهما واحتفل الجمع وكانت المشروبات وأنواع الحلوى لها نصيب وبادلهما كل أفراد العائلة التهاني ...لكن مع الأيام نسي كل منهما ذاك المشكل وتعرفا عن بعضهما وتقربا من أفكار البعض وباح كل فيهما بما يحب ويرضى وكانو يخرجون للتنزه مرات مع بعض بسيارة الزوج الذي لا يتخلى عن العود في صحبته بأي مكان ومرت الأيام والشهور لأن أحبا بعضهما أكثر ووعدا بعض لن يفرقهما الا الموت وبدأت بعدها العروس ماري في تحضير جهازها وما يمكن لها أن تأخذه معها لبيت الزوج ، لكن ماري لا تهتم بهذه الأمور كثيرا ، كان أغلب ما يشغلها هو صندوقها الذي تجمع فيه الكثير من الذكريات الجميلة من صور الرحلات والعمل وصور لأصدقاء وفنانين ودفاتر المدرسة مدون عليها ذكريات أصدقاء وأساتذتها في المراحل الأولى من الدراسة بالمتوسط والثانوي ودفتر يحمل تفاصيل يومياتها ..وغدت بعدها تتخلى شيئا فشيئا عن ما كانت تحبه فيما سبق وأصبح الأسمر كل هاجسها ومستعدة لأي شيء من أجل راحته وسعادته الى أن جاء يوم طلب فيه الخطيب القدوم لبيت ماري مع أهله لتتمة الموعد الموالي وتحديد يوم الزواج الشرعي والدخول بها ، ولما سأل والد ماري تحديد الموعد بتاريخ ما (..) وافق الجميع وأخذت التحضيرات الفعلية لهذا الزواج الميمون ..


الكل مهتم لزواج ماري لأنه فرصة لإدخال البهجة والسرور في نفوس من يحبونها وكانت هي تحلق بمخيلتها لما أبعد من الزواج كيف تصبح أم مسئولة عن أسرة وكيف تكون صالحة في قراراتها وتنظيمها لحياة ليس لها سابق علم بها وكانت تحاول بين الوقت وآخر ان تهتم بلوازم المشتريات من لبس وعطور وأدوات تجميل وغير ذلك الى أن جهزت مع اقتراب يوم الزفاف كل شيء الا أن زوج المستقبل حضر على حين غرة لبيت وطلب أن ترافقه لتختار الخاتم .
فرحلا متجهين نحو المدينة الكبيرة التي بها أحدث محلات المجوهرات ومن هناك أخذ يتجولان بالسيارة الى أن صادفتهم أخته الوسطى التي تكبره سناً بكثير وهي تسير على رصيف الطريق فأسرعت لتحية ماري وتمنت لها السعادة واستدعتها للتعرف عليها ببيتهم قبل الزواج لتكون فرصة للحديث والتعارف ففرحت ماري وأجابتها بكل أدب واحترام وخجل أجل عزيزتي أكيد ويسعدني ذلك لكن شريطة موافقة أخاك فأسرع هو وأجاب نعم ، أكيد لكن ليست هذه المرة بل في مرة أخرى تكون أكثر ملائمة ، وانصرفت بعدها حيث تريد وبقيت ماري في السيارة في حين الأسمر ذهب واشترى هدية لوالدة ماري لأن العادات تفرض عليه أن يقوم بواجباته نحو أم زوجته وبعدها مدّ يده بجيبه وأخرج سلسلتين من الذهب الخالص وطلب منها أن تختار واحدة فلم تختار ماري ولا واحدة فقال لها لا عليك سوف أطلب من الوالدة بتبديلها واحضار لك خاتم يكون كبير الحجم لكن لم يلاحظ أن ماري كانت محرجة لا تريد منه شيء سوى أن تنعم بالقرب منه وتريد العيش في هناء وطمأنينة ليس الا لكن هو ذهب ظنة لأبعد من ذلك ربما لم تعجبها الهدية ، وأخذت أيام تنقضي وأخرى تأتي لأن وصل يوم العرس وكانت الحفلة الكبرى حيث كان عرساً ليس له مثيل بكل الأحوال والأوصاف، الهدايا تتهاطل عليها من الأهل والأحباب والأصدقاء حتى لم تتسع الغرفة لحمل كل هذه الهدايا وبدأت الصديقات تأتي والتنافس على الذهاب معها للحمام وأخذ معهم البخور والحناء والشموع وكل طيب حتى جاء المساء فإذا بالعروس لابد لها أن تذهب للحلاقة وتتزين كما ينبغي وبعد لبسها الفستان كل من يراها تفتح عيناه وترسم الإبتسامة على محياه: لقد بدَت أميرة كنور شمس الأصيل حين تبعث بشعاعها على قطرات الندى فتعكس ألوان قزحية بكل الرؤى يا لها من جميلة بدت ، فاتنة ، ساحرة ...



يتبع ...







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني جدا رأيكم بكتاباتي الأدبية ..امل في نقدكم البنّاء مع فائق احترامي